الكاتب الصحفي فيصل مصطفى
الكاتب الصحفي فيصل مصطفى


فيصل مصطفى يكتب: «البريكس» تعيد رسم الخريطة العالمية

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 25 أغسطس 2023 - 05:11 م

أخيرا تحقق الحُلم وانضمت مصر رسميا إلى مجموعة دول البريكس ، وهو حدث هام ، له أبعاد تاريخية من الناحية الاقتصادية وأعتقد السياسية وربما تكون الاستراتيجية.

الانضمام للبريكس ، ربما كان من القرارات القليلة النادرة ، التي أجمع عليها الشعب المصري قاطبة ، وربما ترتقي  إلى درجة إجماع الشعب المصري على ثورة 30 يونيه 2013.

فهي حدث جلل بكل المقاييس والمعايير وبكل ما تحمله الكلمة من معاني متعددة.

البريكس قرار دولى ، ولكنه وجد استجابة شعبية واسعة النطاق من الرأي العام المصري وأرضية شعبية مؤيدة ربما لم تحدث منذ عشرات السنين. وهو قرار أثلج صدور الجميع . خاصة، وهو يأتي في توقيت بالغ الصعوبة، حيث تتزايد المصاعب والضغوط الاقتصادية على مصر، وتحاول النيل منها. وتحاول الضغط عليها، وتحاول إجبارها على فرض ما لا يقبل به الشعب والقيادة المصرية.

فيأتي قرار الانضمام للبريكس في توقيت بالغ الذكاء والعبقرية، برسالة إلى الشعب المصري. لست وحدك فيما تتعرض له من ضغوط ومؤامرات.

الانضمام للبريكس ، يعني أن مصر تنتهج سياسة مستقلة ، سياسة تراعي إرادتها ومصالحها الوطنية بالدرجة الأولى، سياسة ترفض الضغوط والإملاءات الدولية ، وترفض الهيمنة الاستعمارية وترفض إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

مصر أصبحت ضمن تحالف دولي عالمي اقتصادى التوجه من حيث الشكل ، يضم 11 دولة في العالم، تنتمي إلى أربع قارات، وهي أسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية .

وهو ما يعني أكثر من ثلثي العالم كما أنها تضم تقريبا نصف شعوب العالم من حيث التعداد السكاني وأكثر من ثلث القوى الاقتصادية العالمية.

وهو ما يعني أننا أمام خريطة جديدة وواقع جديد ، يُرسم لأول مرة في تاريخ البشرية، واقع يختلف جذريا، عما كان سائدا كوريث شرعي لنتائج الحرب العالمية الثانية، وعما كان سائدا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي 1990، وإنشاء نظام عالمي جديد يقوم على القطب الواحد، وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

بإعلان البريكس وتوسعه في عضويته ، ووصوله إلى مرحلة 11 دولة، واقترابه من مرحلة ال15 دولة على الأقل، لأن هناك دول أخرى قوية في طريقها للانضمام ، ووصولنا لهذه المرحلة يكون إزاء خريطة جديدة تُرسم للعالم وللمرة الثالثة في أقل من قرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية ، أي أننا أمام حدث تاريخي عظيم ، سوف يتوقف التاريخ عنده كثيرا في إطار عالم تشكيل القوى العالمية، والأقطاب المتحكمة في القرار السياسي الدولي.

ويمكننا أن نرصد بعض الملاحظات الأولية، ونحن ما زلنا في خضم الساعات الأولى لهذا الحدث الدولي الهام منها، أن تجمع البريكس هذا قد ضم مجموعة من دول ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ومجموعة أخرى من دول ما كانت تسمى بعالم عدم الانحياز والحياد الإيجابي، أيضا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

أى أن هناك إئتلاف يُعلن ولأول مرة بين بعض بلدان الكتلتين . فبالنسبة للكتلة الأولى، هناك روسيا والصين، وبالنسبة للكتلة الثانية، مجموعة دول عدم الانحياز، والتي كان لمصر الشرف في تأسيسها في 1955 في مؤتمر باندونج بإندونيسيا، تضم مصر والهند والأرجنتين والسعودية وغيرها ، وبالتالي فإننا إزاء حالة إندماج وامتزاج دولي جديدة غير مسبوقة.

الملحوظة الثانية، أن هذا التجمع يحظى بشعبية هائلة، ليس بين شعوب دول البريكس وحدها، وإنما بين الأغلبية الساحقة من شعوب العالم كله ، لدرجة إنه أصبح أملا لكثير من الدول الانضمام لهذا التجمع.
الملاحظة الثالثة، أن هذا التجمع ، يعني البداية العملية الحقيقية لهيمنة ونفوذ الغرب الاستعماري على مقدرات البشرية، وبداية تخطيط عملي محكم للانعتاق نهائيا من سيطرة وهيمنة واستغلال الدولار الأمريكي الوهمي الذي يسيطر على اقتصاديات العالم دون غطاء ذهبي أو سند اقتصادي حقيقي ، ويقوم في جوهره على استغلال وسرقة ثروات شعوب العالم المختلفة.

الملحوظة الرابعة، أن القرار المعلن من دول البريكس بأن يكون التبادل التجاري بين بلدان المجموعة بالعملات الوطنية، قرار إستراتيجي وقرار أمن قومي من الدرجة الأولى ، إنه يحافظ على قوة العملات الوطنية لهذه الدول، ويحد من سيطرة الدولار . ويعطي فرصة لاقتصادات الدول  المنهكة ، لكي تتنفس برئة طبيعية، بهواء اقتصادي نقي حقيقي ، يمكنها من الصمود وتحقيق مشاريعها التنموية العملاقة.

فضلا عن إن هذا التجمع يتيح فرصة ذهبية لمزيد من الاستثمارات وحرية تداول رؤوس الأموال بين دول المجموعة، وبالتالي ينهي على الكثير من المشكلات الاقتصادية المزمنة، ويحقق نوعا من أنواع الإزدهار، ويُسمح بالتبادل ليس الاقتصادي فحسب، وإنما التكنولوجي أيضا، وهذا هو الأهم بين هذه الدول التي تمتلك قاعدة علمية هائلة، وقاعدة بشرية مخيفة، تمكنها من أن تسيطر على العالم أجمع بلا أدنى مبالغة.

ولعله أيضا من الملاحظات الهامة، أن قادة الغرب الاستعماري يعكفون الآن على دراسة الوضع الحالي، وما سوف يكون عليه من متغيرات بعد هذا الحدث الجلل، وعلى كيفية إعادة صياغة العلاقات الدولية بين دول العالم المختلفة على أسس من العدالة والتنمية والاحترام المتبادل والمساواة وليس الخضوع للإستغلال وللسرقة وللنهب المنظم.

ولعل الانضمام للبريكس يقوي من موقف مصر التفاوضي مع صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية التي لا تعرف سوى الضغط على الشعوب.

وأيضا يُمكنا من تقليل الأعباء الاقتصادية، وما أكثرها في زمن الحروب. والتلويح بعودة الكورونا مرة أخرى، والأصابع المسمومة الخبيثة التي تلعب في الظلام لتدمير الإقتصاد العالمي، وتدمير مصالح وتطلعات شعوب الدول الفقيرة والصغيرة في كافة أرجاء المعمورة.

وإذا كان "البريكس" هو تجمع اقتصادي بالدرجة الأولى، يتيح فرصة الانتعاش الاقتصادي ولو نسبيا ، فإنه أيضا بمثابة تجمع سياسي هام، سوف يفرض إرادته وكلمته على كل ما يتم في العالم الآن من معارك وصراعات سياسية، وقد نكون إزاء صفحة جديدة تماما، تُكتب الآن بأحرف من النور في سماء العلاقات الدولية بين الدول المختلفة.

هذا التجمع أعاد لنا مرة أخرى مناخ وروح مع الفارق ، قمة باندوج عام  1955، حينما تضامن قادة العالم الثالث في ذلك الوقت في مواجهة الهيمنة الغربية وفي عدم الخضوع لخريطة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وشاهدنا عبد الناصر، ونهرو، وسوكارنو، وتيتو، وغيرهم من رموز زعماء عدم الانحياز، يدشنون عصرا جديدا، ويرسمون خريطة عالمية جديدة. 

التاريخ يعيد نفسه الآن، ونحن في نهايات الربع الأول من القرن 21 ، ونرى مصر وروسيا والصين والهند وإيران والسعودية والإمارات وغيرهم، يدشنون عصرا جديدا. ويعيدون رسم الخريطة العالمية، ويقودون شعوبهم وشعوب العالم أجمع نحو التحرر من الهيمنة والتبعية.

إنه عصر جديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى وحدث عظيم دوليا وشعبيا وعلى كافة المستويات .
الكل متفائل..الكل سعيد.. الكل يستبشر خيرا. 

واعتقد إنها خطوة ، حققت قدرا كبيرا من الروح والتوحد الوطني في مصر، وأكدت أن مصر بخير، وأكدت أن مصر قادرة على التصدي لكثير مما يحاك ويدبر لها بفضل وحدتها وصحة قرارها السياسي وصحة اختياراتها.

لقد بدأ عصر جديد بقرارات البريكس . واعتقد إنه سوف نشهد متغيرات عديدة ، سوف تبدأ تباعا من يناير المقبل بإذن الله، ويكفى  للدلالة على ذلك ، ما أعلنته الدول ال11 عن عزمها ونيتها، أن تتحول مستقبلا من مرحلة التبادل والتعاون الاقتصادي على أساس العملات الوطنية لدول البريكس، إلى إنشاء عملة موحدة يتم التعامل بها، وهو حدث رهيب ، ينهي إلى الأبد سيطرة الدولار واليورو والإسترليني ويجعل العالم مختلفا تماما.

لكن علينا ألا نتفاءل بأن يكون هذا الحدث قريبا ، لأنه أمر بالغ الصعوبة ، وتحقيقه سوف يستغرق وقتا، ربما يكون ليس بالقليل، ولكنه في الحسبان وفي الذهن وفي التخطيط السياسي ، وكثيرا ما رأينا أمورا وإنجازات ، كانت أشبه بالمستحيلات، ولكنها تحققت بالإرادة الإنسانية والبشرية، والتي لا حدود لها. 

دعونا نتفاءل بمستقبل أفضل، وبشرة خير وأمل جديد ، وإلى الأمام دائما يا مصر.

[email protected]

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة